عطر الوفاء نائب المدير
عدد الرسائل : 123 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: معنى القانون العام الإسلامي الجمعة 9 مايو - 16:30 | |
| * معنى القانون العام الإسلامي أساس القانون الإسلامي في العصر الحاضر هو التمييز في "الفقه الإسلام ي" بين أبواب العبادات و أبواب المعاملات، بحيث يقتصر فيه على المعاملات وعلى ما يقترب منها من العبادات التي تتوقف على تدخل السلطة أو يترتب عليها آثار اجتماعية، كجباية الزكاة وإجبار الناس على أدائها، ومنع الإفطار العلني في رمضان، وتنظيم الحج وتنصي الأئمة ونظارة الأوقاف، وغير ذلك مما يدخل في الاختصاصات الدينية والقضائية للسلط ة. يضاف إلى هذا أبواب من أصول الفقه توضح مصادر القانون وكيفية استنباط القوانين منها وشروط ذلك، وأبواب من أصول الدين المتصلة بالمشروعية العليا [ حاكمية الله وعلمه وإرادت ه ]، ومركز السيادة [ مبدأ الإجما ع ]، ومبدأ الاختي ار في العقد السياسي [الإجماع على أن الإمامة أصلها الاختيار لا النص، وبالتالي فهو نظام تعاقدي وليس ثيوقراطي ا]. وبذلك يضم القانون الإسلامي ما يل ي: 1 - أبواب من أصول الدي ن. 2 - أبواب من أصول الفقه 3 - أبواب المعاملات في الفقه الإسلام ي. 4 - مسائل العبادات التي تتو قف على تدخل السلطة أو ينجم عنها آثار قانوني ة. من خلال هذه الأبواب يمكن تأسيس القانون الإسلامي، على وجه يكون مسايرا للمنهجية القانونية السائدة ومحافظا على خصوصية الشريعة الإسلامي ة. قال الأستاذ السنهوري مبين ا: "إذا نحن اقتصرنا -نحن المشتغلين بالقانون - على عل م الفقه وجدنا أن الفقهاء أدركوا ضرورة هذا التمييز، فوضعوا أبوابا للعبادات وأبوابا للمعاملات، . وبذلك فرقوا بين المسائل الدينية وبين القانون بمعناه الحديث 5 5 - في ما قاله السنهوري هنا نظر، فالتقسيم إلى عبادات ومعاملات في الفقه الإس لامي ليس فصلا بين الديني والدنيوي، بل هو تقسيم إجرائي بين ما يغلب فيه " التعبد " والتسليم، وبين ما يغلب فيه الاجتهاد في تحصيل المنافع، فسموا الأول عبادات وسموا الثاني معاملات، ولذلك توجد لذلك يجب أن نقتصر من الفقه في أبحاثنا على أبواب المعاملات، فهذه الدائرة القانونية، وإذا أردنا أن تبقى الشريعة على معناها الواسع المصطلح عليه من قديم من أا تشمل العبادات والمعاملات فلنخلق اصطلاحا آخر يدل على ما أردناه، ونسمي أبواب الفقه الخاصة بالمعاملات "القانون الإسلام ي"، ولكن علينا أن ندخل ضمن هذا القانون مع هذا الجانب من الفقه علم أصول الفقه، الذي يبين لنا مصادر القانون وكيفية استنباط الأحكام من تلك المصادر، كما ندخل أيضا في القانون الإسلامي جزءا من علم الكلام، وهو المتعلق بمباحث الإمامة، لأن هذا أساس القانون العا م". وقا ل: "لنقسم القانون الإسلامي تقسيما حديثا إلى قانون خاص وقانون عام، فالقانون الخاص ي شمل القواعد التي تضبط علاقات الأفراد بعضهم بالبعض الآخر، فأبواب المعاملات والأحوال الشخصية تدخل في القانون الخاص، والقانون العام يشمل القواعد التي تسري على السلطات العامة ، وعلاقة هذه السلطات بالأفراد، وإذا أردنا أن نحدد في كل قسم فروعه، سهل علينا أن نجد في القانون الإسلامي الخاص قانونا مدنيا وقانون مرافعات وأساسا لقانون التجاري، وأن نجد في القانون العام الإسلامي قانونا دستوريا، وقانون إداريا وقانونا جنائيا وأصولا نبني عليها قانونا دوليا عاما وقانونا دوليا خاص ا. ولا نريد ذا التقسيم أن تندمج الشريعة في الق انون الحديث وأن تفقد استقلالها ، وإنما يراد . ذا تسهيل المقارن ة" 6 * علاقة القانون الإسلامي بالقواعد القانونية المطبقة حاليا ما ذكرناه في النقطة السابقة هو المنهج المبدئي والنظري لتأسيس قانون إسلامي صالح للتطبيق في اتمع المعاص ر. في المعاملات عدد من المسائل التعبدية المحضة، كالحدود والمواريث وبعض المس ائل في الأنكحة كالعدة والرضاع، وفي المقابل توجد عدة مسائل في العبادات لا بد فيها من تدخل الدولة كما قلنا، كتعيين الأئمة ومراقبة الأهلة وصلاة العيدين والجمعة وجباية الزكاة وزجر الممتنعين من أداء العبادت وغير ذل ك.. 6 - بحث " الدين والدولة في الإسلا م" لعبد الر زاق السنهوري مجلة المحاماة الشرعية بمصر، عام 1929 ، نقلا من كتاب المؤلف فقه الخلافة ص: 60 الهامش. – 59 لكن المنهجية القانونية ا لمطبقة فعلا في أغلب الدول الإسلامية هي تابعة ومقلدة للمنهجية الأوربية، فكيف نوفق بين المنهجية الفقهية الإسلامية لتأسيس القانون وبين القواعد المطبقة في الحياة الواقعية؟ والجواب على هذا الإشكال أن القواعد المطبقة ينظر إليها من زاويت ين: زاوية تقريرية وزاوية تق ويمي ة: أما الزاوية التقريرية فإن تنصيص الدستور [في المغرب مث لا] على الإسلام دينا رسميا للدولة وعلى منصب إمارة المؤمنين الذي يشغله الملك، يقتضي وصف قواعد القانون الوضعي بأا "إسلامي ة" ، لأن الدستور حاكم على كل فروع القانو ن. أما الزاوية التقويمية، فإنه ينبغي –في أدنى الأحوال - أن تكون القواعد المطبقة غير منافية لأحكام الشريعة، بغض النظر عن الأهداف الخاصة لكل فرع من فروع القانو ن. ولتحقيق هذا الهدف، فإنه يتعين تفعيل دور الفقهاء في مراقبة دستورية القوانين، حتى يحصل الانسجام بين مبدإ إسلامية الدولة وتفريع القوانين وسنها على الأسس الحالي ة. كما يتعين وضع برامج "للتكوين المستم ر" للمشتغلين بالتشريع والإدارة والمالية قصد إلمامهم بالحدود الأساسية والمعرفة الضرورية للفقه والشريعة في مجال تخصصهم، وهذا ما تنبه إليه أول مشروعي دستور وضعا بالمغرب في العصر الحديث، وهما مشروع عل ي زنيبر السلوي 1 ]، ففي الأول نص 1 ]، ومشروع عبد الكريم مراد [ 1324 ه 906 1324 ه 906 ] على "انتخاب لجنة من عيان الأمة لتحرير مدونة تسجل ا حقوق الحكومة والأمة وفق المذهب المالك ي "، والثاني نص في المادة الأو لى: على أن ممثلي القبائل والبلدات يجب أن تتوفر فيهم ش روط منه ا: "أن يكون قرأ متن خليل ويفهم معنا ه" أي أن يطالع أحكام الفقه الإسلامي على . مذهب المالكية المعتمد لدى المغاربة 7 المبحث الرابع : بين الإسلام والقانون الغربي * الأسس المشتركة بين الإسلام والقانون الغربي 7 - سيأتي ذكر نصي مشروعي الدستور في آخر هذا المقرر. يشترك الإسلام والمدارس الهيومانية [الإنساني ة] للق انون الغربي في تقديس مبدإ الحق وعمل . الدولة على حمايته، وفي مبدإ المساواة والحرية والاعتراف بالإنسانية المشتركة للبشر 8 في حين تنعكس الفلسفات المادية والمنكرة للأديان على صعيد القانون بإنكار مبدإ الحق أو اعتباره ممنوحا ومحددا من قبل الطبقة أو الدولة، فكل ال فلاسفة والقانونيين الماديين يتفقون على إنكار الح ق. فالفرنسي ديجي –صاحب مذهب التضامن الاجتماعي - أنكر فكرة الشخصية القانونية وفكرة الحق 9، لأا " ميتافيزيقي ة "، وماركس اعتبر حقوق الإنسان "ليست سوى حقوق عضو من الطبقة الوسطى .. أي حقوق الرجل الأناني منفصلا عن غير ه من الناس واتم ع "، وقال بنتا م: "حقوق الإنسان هراء والحقوق الطبيعية للإنسان أكثر هرا ء". أما المذاهب الإنسانية [الهيوماني ة] والمثالية والدينية فإا تشترك في أن النظام القانوني هو المصلحة الإنسانية تم إقرار كح ق. إن المساواة والأخوة والحرية والحقوق تنويعات للمبدإ الإنساني الذي نزلت به الأديان أولا، وتبنته القوانين الوضعية بعدها، وهي التي تعتبر أفكارا غير ذات معنى في المنظومات المادية .1 والعلمانية الشاملة 0 إن القانون بطبيعته يتجه لحماية الأضعف، أما الأقوياء فلا يحتاجون لقانون، ولذلك كان القانون هو وسيلة الضع يف في مواجهة القوي، وهنا فإن الإسلام والقانون يتجهان في مبدإ واح د. إذ يقرر الإسلام المساواة أمام القانون مبدأ مقدسا، قال النبي ص: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يده ا) وقال عم ر: (ساو بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا 1، وينص على حماية الضعيف والمظلوم ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيف ك) 1 8 - لا بد من التفريق هنا بين هذه المبادئ كعناوين مشتركة في الدين والفلسفات الهيومانية، وبين مضامينها ا لفلسفية المختلفة بين كل منها، بحيث إن تضمينات هذه المصطلحات ومفاهيمها في المنظومات الهيومانية هي تضمينات مادية وحسية، في حين ينكر الدين اختزالها في المعنى المادي، ويعطيها معنى إنسانيا متجاوزا، وهذا يسري على مفهوم الحرية والمساواة وغيرهما .. 9 - أبدل ديجي مص طلح الحق بفكرة "المركز القانو ني" وبالرغم من أن المصطلحين متقاربان واقعيا، إلا أما يعبران عن فلسفتين مختلفتين جد ا. 10 - من المنظومات المادية الماركسية والداروينية الاجتماعية والنتشوي ة. 11 - من رسالة القضاء لعمر بن الخطاب، رواها الدارقطني في السنن. بشكل لا يقبل الجدل، قال النبي ص: (إنما تنصرون وترزقون بضعفائك م )، وقال أبو بك ر: (ضعيفكم عندي قوي حتى آخذ له حقه، وقويكم عندي ضعيف حتى آخذ منه الح ق )، والمتأمل في موقف الرسول ص من " حلف الفضو ل" يجد الدليل على قب ول الإسلام بالقانون الذي يحمي المظلوم ويرد الحقوق إلى أصحاا، فقد عقد جماعة من زعماء العرب في الجاهلية [ قبل نزول الوحي على الرسول ص ]، عهدا "تحالفوا .. فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكو نن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه .. وتعاهدت فيه قريش على نصرة المظلو م "، قال رسول الله صلى الله عليه وسل م: "لو دعيت إلى هذا الحلف في الإسلام لأجب ت" إن الرسول ص هنا نوه ذا القانون المثالي الذي سنه زعماء كفار في الجاهلية وتعاهدوا على تنفيذه، وذلك لما تضمنه من المعاني النبيلة المتفقة مع غرض الإسلا م. ومن هذا الباب قوله ص: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلا ق )، ومعنى هذا أن الإسلام مكمل وموافق للقيم الإنسانية الراقية مهما كان مصدرها، لأن الأخلاق الإنسانية تعبر عن الحقيقة الدينية المغروسة في الفطرة الإنساني ة. ومنه أيضا أن النبي ص عندما كان بمكة، واضطهد كفار قريش صحابته أو صاهم بالهجرة إلى الحبشة، وقال له م: (اهبطوا إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظَلم عنده أح د )، فكان إذنا لهم بالترول إلى أحكام هذا اتمع وقوانينه، وذلك بسبب عدل سلطته السياسي ة. فالإسلام والقانون يتفقان في إقرار الحق وحماية الضعيف ورد الأمانات، وبناء قواعد القا نون على مقاصد الأخلا ق. لذلك كان كل تعليق للقانون تعليقا ومعارضة للمبادئ الدينية، كما كان كل نظام يرفض الدين ينتهي به الأمر إلى إبطال القانون، فمثلا في الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان يتخذ الإلحاد دينا رسميا للدولة، لم يكن القانون بأسعد حالا، فبين سنتي 1937 و 1974 صدر 370 قانونا فقط، في حين أصدرت سلطاته المختلفة 70 ألف إجراء استثنائي أي تعليق للقانو ن.
| |
|