عطر الوفاء نائب المدير
عدد الرسائل : 123 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: أوجه الفرق بين الشريعة والقانون تابع 2 الجمعة 9 مايو - 16:34 | |
| 18 - من المقرر المعروف أن تاريخ أوربا الفكري والفلسفي والعلمي لا ينسى ما صنعته سلطة الإبعاد في حق المفكرين والعلماء والفلاسف ة. 1892 ) صاحب كتاب - ومن الفلاسفة المشاهير الذين نالهم قرار الحرمان بسبب أفكارهم الفيلسوف الفرنسي إرنست رنان ( 1823 "مستقبل العل م" و "ابن رشد ومبادئ ه" كان يرى أن المسيح إنسان راق لا إله، فقام عليه رجال الدين وحرموه من الكنيسة ولعنوا من يقرأ كتبه. وارتباطا ذا المبدإ تتفرع فلسفة الحياة والقانون في الإسلام، وينبني النظام الاجتماعي في الإسلام على أسس كثيرة أهمها عشر ة: 1 - أن الناس متساوون ولا يعلو عليهم سوى الخالق وحده، فلا مكان للطبقية ولا التفوق العرقي ولا للتفاضل الإثني، قال ص (كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقو ى). كما لا يسوغ لأحد أن يلبس ثوب الربوبية على الآخرين أو أن ينوب عن الله أو يتحدث باسمه أو يقرر العقائد والتعاليم وكالة عنه، قال تعا لى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قري ب) وذم اليهود والنصارى بقول ه: (اتخذوا أحبارهم ورهبام أربابا من دون ا لله).. 2 - أن الإنسان كريم في أصل خلقه ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقو يم )، وأن كرامته مقررة في الأزل، محددة في الكتاب والسنة كمبدإ عام للتشريع (ولقد كرمنا بني آد م). 3 - أن الإنسان حر لا قيد عليه ولا حجر، إلا أن ي تقيد بمكارم الأخلاق، واحترام القانون، وكل الأوضاع المسترقة للإنسان المقيدة لحريته في الجاهلية قد أبطلتها الشريعة [كاسترقاق المدي ن] أو وضعتها الشريعة في طور الانقراض [ كالر ق] ، حتى قال العلماء "الشريعة متشوفة إلى الحري ة "وقالو ا: " لا يدخل حر تحت الرق في الإسلا م ". 4 - أن الحق أساس الوجود ( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالح ق )، وهو أيضا أساس الحكم المفروض شرعا ( فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهو ى )، ومن هذا المبدإ تفرعت الحقوق الشرعية التي تضمن المصالح الشخصية للعباد بما يمنعهم من الاختلاف أو الفساد أوالتقا ت ل.. 5 - أن العدل صنو الحق ورديفه في المعنى، وصف الله به نفسه وفرض على العباد التخلق به والتصرف عليه، وقد بلغ من شأو العدل في الشريعة أن أمرت به ليس فقط في العلاقات والمعاملات الخارجية، بل أمرت به حتى في ضمير الإنسان مع نفسه ووالديه وقرابته قال تعا لى: ( يا َأي ها الَّ ذين آَمنوا ُ كونوا َق وامين ِبالْقسط ش ه داءَ للَّه وَلو عَلى َأنُفسِ ُ كم َأوِ اْل والدينِ واْلأَْقرِب ين). 6 - أن مدار الأمر على المسؤولية الشخصية، (كل امرئ بما كسب ره ين )، ومدار المسؤولية على كسب الإنسان وعمله ( فمن يعمل م ثقال ذرة خيرا ير ه)، ولا مكان في الإسلام للخطيئة الأصلية أو محاسبة أحد بعمل آخر ( لا تزر وازرة وزر أخر ى )، لذلك تقرر الشريعة مبدأ المسؤولية حسب موقع كل مكلف، قال ص: ( كلكم راع وكلكم مسؤو ل). 7 - أن الفضيلة تشكل هدفا مركزيا في النظام الإسلامي، إذ بالرغم من أن الت شريع الإسلامي يعتمد القواعد العقلية فإن هدفه حراسة الفضيلة قال ص: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلا ق )، فلا يوجد أي جانب فيه يشذ عن رسالة الأخلاق ومقاصد الفضيلة سواء في جانب المعرفة أو الاجتماع الإنساني أو السياسة المدني ة. 8 - أن الإسلام جمع بشكل متفرد بين عدة ث نائيات صعب الجمع بينها في النظريات الفلسفي ة. فالإسلام يجمع بين الدين والقانون وبين التربية والقوة وبين المثل العليا والمصالح وبين اتمع الروحي والدولة وبين التطوع والإجبا ر. إن هيكل فلسفة الإسلام –كما يقول بيغوفيتش - هي مطالبته أن يعيش الإنسان في آن واحد الحياة الظاهرة والباطنة والحياة الأخلاقية والاجتماعية والحياة الروحية والمادية، يطالب الإسلام الإنسان بأن يقبل طوعا وبوعي ذين الوجهين للحياة مصيرا له مقررا ومعنى لحياته في هذه الدنيا، فالإسلام دين وفلسفة وأخلاق ونظام وأسلوب وبيئة، وبإيجاز " طريقة كاملة للح يا ة "، قال تعا لى: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأر ض) (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت وأنا أول المسلم ين) (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرز ق) (كلوا واشربوا ولا تسرفو ا). (وأخرج البخاري عن أنس بن مالك قا ل: جاء ثلا ثة رجال إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما ُأخبروا كأم تقا ّلوها [أي لاحظوا أا قليل ة] فقالو ا: أين نحن من النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخ ر، قال أحده م: أما أنا فإني أصلي الليل أبد ا، وقال آخ ر: أنا أصوم الدهر ولا أفط ر، وقال آخ ر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبد ا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقا ل: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم ل ه، لكني أصوم وأفط ر، وأصلي وأرق د، وأتزوج النسا ء، فمن رغب عن سنتي فليس م ني). 9 - أن الدين أساس التنظيم الاجتماعي في الإسلام، والعلم والخبرة أسلوبه. يطالب الإسلام من المسلم بوجوب تنظيم الحياة، ليس فقط بالصلاة والدعاء ولكن أيضا 1، وأن يت عايش في حياته المسجد والمصنع، والعبادة والعلم ومصالح الدنيا وأعمال بالعلم والعمل 9 الآخرة في وقت واحد، وأن ينضاف إلى هدف تربية الناس النهوض بحيام، مع وجوب عدم التضحية بأحد هذين الثنائيت ين. لذلك فإن المهندس والعالم وإمام المسجد والمربي ورجل القانون ومسؤول السلطة ينخرطون جم يعا في [ وظائف شرعي ة ]، ويقومون فيها بمعنى [العباد ة ]، شرط أن تكون وجهتهم إرضاء الله تعالى بتحقيق الصالح العالم الذي لأجله انتصبوا في تلك الوظائ ف. هذا المعنى الشمولي يؤدي إلى اكتفاء النظام الإسلامي وعدم وجود ثغرة نظرية أو فلسفية أو فقهية تحوجه إلى أن تنظم ح ياة المسلمين بفلسفة أخرى، قال تعا لى: ( ما فرطنا في الكتاب من شي ء) (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دين ا). إن الانفصام بين القول والعمل وبين الدين والواقع وبين المعتقد والحياة يؤدي إلى إحدى النتائج التالي ة: إما إلى مجتمع مزدوج، يم جد أهله الله في المسجد وينسونه في اتمع، وإما إلى مجتمع تعيس تتصارع في نفوس أفراده الميول والترعات، لا يستطيعون قطع صلتهم بالقرآن ولا إصلاح أحوالهم بمبادئه، وإما إلى مجتمع من الرهبان الذين يعتزلون الحياة لأا غير إسلامي ة. هذا من ناحية المبادئ والأسس، أما من ناحية الأسلوب، فبالرغم من رفض الإسلام لمبدإ العلمانية، أي تجريد حياة المسلمين عن المرجعية الإسلامية 20 ، فإن أسلوب الإسلام في التنظيم مفتوح دوما على العلم والخبرة البشرية، وهذا ما يدل عليه الحديث الشري ف: (أنتم أعلم بشئون دنياك م )، ( الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق ا )، والمتأمل في إنشاء عمر للدواوين والأنظمة الإدارية التي اقتبسها من الفرس بقصد تنظيم أحوال الإدارة في عهده، يلاحظ مدى تمييز الإسلام بين العقائد والمبادئ الفلسفية وبين أساليب التنظيم التي يمكن الإفادة منه ا. لذلك يتأكد في هذا الجانب ثلاثة م باد ئ: 19 - قال النبي ص ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العم ل. 20 - العلمانية بالنسبة للمسلمين تعني تجريد الح ياة عن الأحكام الشرعية والمرجعية الإسلامية، أما عند البشرية عموما، فإن مبدأ العلمانية يعني فصل الحياة عن القيم والأخلاق، أو نزع القداسة عن العالم ونفي المحرمات من كل نشاط بشري، بحيث يأخذ مرجعيته من ذاتيته المادية من دون أية مرجعية متجاوزة . ورغم الخصوصية فإن مآل التعريفين واحد، انظر العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة لعبد الوهاب المسيري .219 /1 أ -أن الإسلام بتأييده لهذا العالم الدنيوي فإنه بذلك يعلن تأييده لأفضل صورة لتنظيم الحياة، وإن كل ما يساعد أن يكون هذا العالم أفضل فلا يجوز رفضه ابتداء بدعوى أنه شيء غير إسلام ي. ب - أن انفتاح الإسلام على الطبيعة يعني انفتاحه على العلم أيضا، ولذلك فالحل ول الإسلامية ينبغي أن يتوفر فيها أمران، أولهم ا: أن تكون فعالة إلى أقصى الحدود، وثانيهم ا: أن تكون إنسانية إلى أبعد الحدود أيض ا. ج - يعتبر الإسلام النظام الوحيد الذي ولف وجمع بين الدين والعلم وبين الأخلاق والسياسة وبين الفرد والجماعة وبين الروحانيات والماديات، وهي أمور ينقسم العالم بشأا روحيا في العصر الحاضر، إذ يبشر بدين بلا رهبانية وعلم بلا إلحاد، فلا بد من الحفاظ على هذه الوسطية الإسلامية التي ا وبانتهاجها يعود للعالم الإسلامي دوره أمة وسطا بين هذا العالم المنقسم، قال تعا لى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكو نوا شهداء على النا س). 10 - أن التشريع لا ينفصل عن الإنسان في الإسلام إذ لا يمكن فصل النظام عن الناس الذين يطبقونه، فلا وجود للنظام الإسلامي بدون الناس الذين يقيمونه عن اقتناع وإيمان والتزام، وهذه هي فلسفة الإسلام في حماية اتمع الإسلامي وتنفيذ النظام الإ سلامي، بخلاف مجمل النظريات الغربي ة. حيث تنطلق النظرية الغربية دائما من فرضية أنه يمكن تنظيم شؤون اتمع عن طريق القوانين، وأنه بالإمكان بناء مجتمع بتخيل ترتيب معين للأوضاع والوظائف والطبقات والقوانين، لذلك 2] [ ب دءا من المدينة المثالية لأفلاطون ومرورا بتوماس يعج الفكر الغربي بالمدن المثالية [اليوتوبيات 1 مور، وتوماس كامبانيلا، وفرنسوا فوريير، وسان سيمون، وروبرت أوين، وانتهاء بكارل مارك س]. لقد ظلت الروح الأوربية طوال تاريخها تبحث عن نظام أو مخطط يستطاع بناء مجتمع مثالي في إطاره، يكون مجتمعا يصير مثاليا ومكتملا بم جرد تغيير العلاقات بين الناس، أو بين مجموعة من الناس، لذلك وقع لديها إغفال خطير للإنسان وضرورة ذيبه وتربيته لبناء مجتمع سلي م. وأصل معناه ا: مكان لا وجود له أو مكان لا يمكن إيجاد ه. انظر مبحث " المدينة الفاضلة توماس utopie 21 - اليوتوبيا من أصل يوناني . مور " ، في كتاب تاريخ الأفكار السياسية ص : 135 أما القرآن فإنه يشتمل على مبدإ مشترك بين الأديان السماوية، وهي أن اتمع إنما يمكن تنظيمه عن طريق الإنسان، وأنه لا الإسلام ولا أي دين ولا فكر، يستطيع أن يؤسس مجتمعا جيدا من الناس المختلين تربويا أو أخلاقيا، وهذا السر في قلة القوانين النسبية في القرآن مقابل عنايته الخاصة بالتربية والعقيدة والأخلا ق. فالإسلام يخاطب باطن الإنسان وروحه ويؤكد على ذلك، ولكنه أيضا يواجه العالم الخارجي، ولو لم يبدإ الإسلام بباطن الإنسان لما كان دينا إطلاقا، ولم توقف على خطاب الروح والنفس الإنسانية لكان نسخة من المسيحية، لذلك فإنه يواجه الإنسان الحقيقي والعالم الخارجي والطبيعة فيصبح إعلاما عن الإنسان الكامل والحياة الشاملة، فلذلك اقترن في الإسلام الدين والق انون والتربية والقوة والأخلاق والسياسة. | |
|