عطر الوفاء نائب المدير
عدد الرسائل : 123 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: المسؤليه الطبيه في الشريعه الاسلاميه *الجزء1* السبت 10 مايو - 12:18 | |
| [size=25]لقد زخر التشريع الاسلامي بفيض من القراعد والمبادىء العامة في مختلف أمور الدين والدنيا، فكان ينبوعا متفجرا ومنارة للعالمين. ولقد أشاد علماء القانون المحدثون بمآثر التشريع الإسلامي وما جاء به من نظريات قانونية مبنية علي المنطق السليم ومحققة للعدالة الاجتماعية. تعد بحق مرجعا خالدا على مر العصور ومفخرة لتراث الانسانية... ولا غرو في ذلك فمصدر التشريع الاسيلامي (الحق) سبحانه وتعالى ورسوله الكريم وما اجتهد به علماء المسلمين.
المسئولية القانونية عن أعمال التطبيب والجراحة : إذا كان موضوع المسئولية القانونية عن أعمال التطبيب والجراحة قد حظى باهتمام رجال الفقه والقانون في العصر الحديث، وثار حوله جدل كبير وصولا الي الأساس القانوني لحق الطبيب في ممارسة مهنته، وطبيعة هذا الحق، وحدود مسئوليته، فإنه حري بنا أن نسجل هنا- احقاقا للحق- ان الشريعة الاسلامة قد سبقت التشريعات الوضعية الحديثة في ارساء قواعد المسئولية الطبية بما يكفل حماية الطبيب ويحفظ حقوق المريض ويشجع على تطوير المنهج العلمي للمهنة الطبية كما سيأتي فيما بعد.
ولقد رأيت من المفيد أن ابدأ بعرض تاربخي موجز للمسئولية الطبية قبل ظهور الاسلام.
قد يخفي على البعض أن الطب من أقدم العلوم التي عرفها الانسان وقد نشأ في عصور ما قبل التاريخ ممتزجا بالخرافات والسحر، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أن الشيطان يكمن في جسم الانسان ويسبب له المرض، فإذا مات فان ذلك يعني أن الشيطان قد تغلب، ولا مجال حينئذ للبحث في مسئولية الطبيب، مع الأخذ قي الاعتبار ان مزاولة الطب كانث قاصرة على الكاهن الذي يجمع أيضا بين السلطات الدينية والقضائية والقانونية.
وقد تقدم الطب عند قدماء المصريين، وقد تم جمع كل ما يتعلق بأعراض الامراض وعلاجها في كتاب عرف بالسفر المقدس، وكان على الطبيب ان يتبع في علاج المرضى ما هو مدون فقط في السفر المقدس، فاذا خالفه ووصف دواء غير منصوص عليه في هذا الكتاب وتوفي المريض، دفع الطبيب رأسه ثمناً لذلك.
وفي عهد البابليين وضعت قوانين صارمه لمزاولة مهنة الطب وتشددوا في محاسبة الأطباء على أخطائهم مما أدى إلى العزوف عن ممارسة هذه المهنة، وقد تضمن قانون حمورابي القواعد المشددة لمحاسبة الأطباء حيث نصت المادة 128منه على ما يلي: "اذا عالج الطبيب رجلا حراً من جرح خطير بمشرط من البرونز وتسبب بذلك في موت الرجل، أو اذا فتح خراجا في عينه وتسبب بذلك في فقد عينه، تقطع يداه ".
وقد لعب السحر والشعوذة دوراً كبيراً في ممارسة الطب في عصر الأغريق إلى أن جاء ابقراط الذي سمي (أبا الطب) لدوره الكبير في تخليص الطب من الخرافالت، ومحاولة النهوض به. وكان يحتم على تلاميذه أن يؤدوا قسمه المشهور، والواضح ان هذا القسم لم يكن يرتب التزامات قانونية على الطبيب بقدر ما يهتم بالالتزام الأدبي، وكانت عدم المساءلة الجزائية للاطباء في ذلك العصر محل نقد الكتاب، وفي ذلك يقول أفلاطون ان الاطباء يأخذون أجرهم سواء شفوا المرضى أو قتلوهم، وهم والمحامون يستطيعون ان يقتلوا عملاءهم دون أن يتعرضوا لأي مسئولية! وعلى الرغم من ذلك فقد أمر الاسكندر الاكبر بصلب الطبيب جلوكيس في الاسكندرية لإهماله في علاج مريض مما تسبب في وفاته.
وفى عهد الرومان لم تكن هناك نصوص خاصة بالمهنة الطبية مما دعا إلى تطبيق القانون العام على الأطباء، وكانوا يعتبرون الجهل وعدم المهارة خطأ موجباً للتعويض، وكان الطبيب يعتبر مسئولا عن التعويض اذا لم يبد دراية كافية في اجراء عملية أو أعطاء دواء ترتب عليه موت المريض، وكان العقاب يختلف بحسب المركز الاجتماعي للطبيب، فإذا كان من طبقة وضيعة أعدم، أما اذا كان من طبقة راقية نفي في جزيرة !
وفي العصور الوسطى في اوروبا التي سميت بحق العصور المظلمة حيث أصيب الطب بنكسة شديدة، وسادت الخرافات وكثر السحرة والادعياء وضاعت كتب ابقراط، وجالينوس وحلت محلها التمائم والتعاويذ. ولقد عرفت المسئولية الطبية في هذا العصر، ولكن بما يتناسب مع العقلية السائدة ففي الشعوب المتبربرة كان اذا مات المريض بسبب عدم عناية الطبيب أوجهله يسلم الطبيب إلى اسرة المريض ويترك لها الخيار بين قتله أو اتخاذه رقيقا.
وكانت محاكم بيت المقدس تحكم في عهد الصليبيين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين بأن الطبيب مسئول عن جميع أخطائه، فاذا تسبب بجهله في وفاة رقيق، وجب عليه ان يدفع ثمنه لسيدة ويترك المدينة، وان كان المجنى عليه رجلا ًحراً وكانت المسألة تتعلق بجرح بسيط أو سوء العناية بما لم يترتب عليه موت المريض قطعت يد الطبيب، ويشنق الطبيب إذا مات المريض!! [/size]
| |
|